رحلة الاٹام بقلم منال سالم
المحتويات
الأوضة وفتش في حاجاتي!
نفت أخرى قيامها بذلك الأمر رافعة يديها في الهواء
أنا لسه جاية من برا
انتفضت نزيهة قائمة من مكانها ولوحت لها بذراعها وهي تهدر باشمئزاز
أوضة إيه دي يا أم أوضة!!!
حولت تهاني نظراتها المحتقنة تجاهها وردت في تعصب مهين
المفروض إننا في مكان محترم مش أعدة في الشارع عشان كل من هب ودب يمد إيده على حاجتي
قصدك إن احنا حرامية هنا
تدخلت في التو واحدة منهن لتحول بينهما بجسدها وهي تقول بتعقل محاولة لملمة الأمور قبل تفاقمها
استني شوية ماينفعش كده!
قامت أخرى بشد نزيهة للخلف لإبعادها عن محيطها بينما واصلت الأولى كلامها
بصي يا تهاني كلنا هنا زي بعض مافيش واحدة أحسن من التانية!
أنا قولت اللي عندي ولو اتكررت تاني مش هسكت
غادرت بعدئذ عائدة إلى غرفتها لتهدر من ورائها نزيهة في حنق مستشيط
مفكرة نفسها مين دي
حاولت إحدى المتواجدات تهدئتها فقالت
حصل خير يا جماعة مافيش داعي نكبر الموضوع
ظلت نزيهة على حالتها الحاقدة وهي ترد بتحيز مهين
سرعان ما حامت الشكوك حولها لكونها الوحيدة الثائرة بلا مبرر فتساءلت واحدة منهن بشكل مباشر وهي تحدجها بهذه النظرة القوية
نزيهة إنتي ډخلتي أوضتها
خبت حمئتها إلى حد كبير وقالت رغم ذلك بلهجة متحفزة
الباب كان مفتوح ف بصيت من برا بس
يعني ډخلتي
أنا حبيت أعرف الست الدكتورة اللي شايفة نفسها علينا مخبية إيه من ورانا!
أنا مخدتش منها حاجة دي كحيتي على الآخر أفقر مننا
يا ريت مايحصلش ده تاني مش ناقصين مشاكل لا معاها ولا مع غيرها
على مضض شديد ردت وهي تزفر الهواء من بين شفتيها
طيب
كل ما راود ذهنها أنها مؤامرة حقېرة دبرت في الخفاء لعرقلة الزواج وتأجيله دون أن يتم مراعاة هذه المسكينة المنتظرة بتلهف إتمامه على وجه السرعة جاءت أفكار لزيارة شقيقتها فور أن علمت بالأخبار الصاډمة استقرت على الأريكة بعد استقبال روتيني من عقيلة وزعت نظراتها الغامضة بين الاثنتين حينما جلستا معها ثم بصوتها اللاهث وتعبيراتها الممتعضة أخبرتهما بما جعل القلوب تنبض رهبة
تساءلت عقيلة في ملامح مستغربة
في إيه ياختي
نظرت لها بأسف قبل أن تخبرها في تبرم
الولية حماة بنتك سافرت العراق والمحروسة لسه أعدة هنا
حينئذ لطمت على صدرها في صدمة ولسانها يردد بتحسر
يا نصيبتي!!!
ثم سألتها بقلب ملتاع قد راح يدق في تخوف
امتى ده حصل!
أجابتها أفكار وهي تهز رأسها
لم تبد فردوس متفاجئة كالبقية بهذا الخبر الصاډم مما استرعى الانتباه فأدارت والدتها
وجهها تجاهها وسألتها في جزع
إنتي
كنتي تعرفي يا فردوس قالتلك إنها مسافرة
ترددت للحظات ولم تعرف بماذا تخبرها لكن لا مفر من الحقيقة تلبكت أكثر وخاطبتها بصوت شبه مهتز
هي بنفسها مقالتليش حاجة يامه بس ابنها الكبير قال إن سي بدري هيبعت ياخدها وبعد كده أنا
ضړبت خالتها على فخذيها بكفيها وراحت تولول في حسرة
شوفتي خيبة بنتك عارفة وساكتة!!
مجددا وجهت عقيلة سؤالها لابنتها في انفعال طفيف
وماجبتيش سيرة ليه
انتفضت على صوتها العالي وردت بنبرة أقرب للبكاء
افتكرته كلام وبس
هنا صاحت خالتها تلومها في ضيق شديد
وأهوو حصل!
وضعت عقيلة يديها أعلى رأسها وأخذت تهزها يمينا ويسارا وهي تتساءل
هنعمل إيه دلوقتي
كورت أفكار قبضة يدها وكزت على أسنانها لهنيهة قبل أن تتكلم عاليا في تحفز
لازما نكلم أخوه يوصله ويبعت ياخدك هو مش حاجزك هنا وراكنك على الرف لحد ما يهفه الشوق ياخدك
وقتئذ التفتت عقيلة ناظرة مرة ثانية لابنتها بنظرة مؤنبة للغالية ثم عادت لتكلم شقيقتها
شيعي لحد يجيب أخوه هنا
قالت دون تفكير
هيحصل ياختي
ظلت فردوس متجمدة في مكانها كالصنم تنظر إلى كلتيهما بعجز مشوب بالندم فلو تحدثت في وقت باكر عما علمته لربما اختلف الوضع تماما
بعد توبيخ لاذع وإنذارات شديدة اللهجة في منزل عائلة زوجة شقيقه كان عليه التصرف في الحال ووضع الأمور في نصابها الصحيح خاصة أن موقف شقيقه كان مخزيا ومحرجا ولا مبرر منطقي له انتظر عوض على المقعد البلاستيكي المتأرجح بسبب انفلات مساميره ودار بنظرات شاردة على الوجوه البائسة المحيطة به ورغم إحساسه بالاختناق والحر إلا أنه لم يتذمر كالبقية أو يثرثر مع أحدهم ليقضي على بطء مرور الوقت انتظر دوره بصبر طويل حتى ناداه عامل السنترال ليذهب إلى واحد من الأكشاك الصغيرة ليتحدث لشقيقه عبر الهاتف في مكالمة دولية مدفوعة الثمن مسبقا حاول غلق الباب لكنه كان عالقا لذا صاح عاليا وهو يجاهد لاستراق السمع لصوته وسط الجلبة الصاخبة المنتشرة من حوله
أيوه يا بدري عامل إيه ياخويا
أتت نبرته مبتهجة للغاية
في نعمة والحمدلله
رد عليه وهو يسد بيده أذنه الأخرى ليتمكن من سماعه
يستاهل الحمد وإزي أمي كويسة
أجابه بنبرة مسرورة
أيوه في أحسن حال وربنا دي صحتها ردت لما جت عندي
قال عوض كأنما يعلمه بالحقيقة الواقعة بنفس الصوت العالي
هي طول عمرها متعلقة بيك يا بدري
أثر ألا يضيع الوقت هباء وسأله في التو باهتمام واضح
المهم إنت ناوي على إيه مع مراتك
أحس بتبدل نبرته وهو يجيبه
بصراحة كده أنا مش ناوي أكمل
صډمه ما أخبره به فردد مستنكرا في غير رضا
بتقول إيه
بدا بدري هادئا للغاية وهو يشرح له مبرراته
اسمعني بس هي مش من توبي ولا نافعة معايا
لم يقتنع بحججه الواهية وهاجمه في صوت منفعل
هي جزمة بتشوف مقاسها ينفع ولا لأ دي بني آدمة
كاد أن ينطق بشيء لكن عوض واصل مقاطعته
وبعدين الناس تقول علينا إيه دي تبقى قلة أصل مننا!!
مرة أخرى صدم برده غير المراعي أبدا
ولا فارق معايا حد أنا مصلحتي اللي تهمني وبس
عنفه شقيقه الأكبر بضيق متزايد
اتقي الله يا بدري!
تهرب منه بوضوح
خلينا نتكلم في ده بعدين أنا ورايا شغل
رد عليه بما يشبه التحذير وهو يكظم غضبه
ماشي بس راعي ربنا عشان يكرمك
هتف بتعجل منهيا معه مخابرته
طيب طيب سلام ياخويا
وضع السماعة في موضعها ودفع الباب المحشور ليخرج من الكشك الضيق ضاربا كفه
بالآخر يمرق بين المتجمهرين وهو غير مستوعب لما قرره شقيقه دون أدنى مسئولية لعواقب ذلك وكأن حياة الأبرياء لا تعنيه ظل يردد مع نفسه وبلا وعي
ذنبها إيه المخلوقة دي
تظلمها معاك ذنبها إيه!!
بدا وكأنه أودع في هم لا ناقة
له فيه ولا جمل لكنه عقد العزم على إقناع شقيقه بعدم تطليقها مهما تكلف الأمر
كعهده حينما يتم دعوته لحضور واحد من المؤتمرات الطبية يمضي وقت فراغه في أشهر النوادي إلا أن هذه المرة كانت مختلفة فبدا غير مكترث بالتودد إلى إحداهن أو حتى مواعدة واحدة من النساء استغرب ممدوح من عزوف رفيقه عن أحب الأشياء إلى قلبه وتحير في شأنه يبدو أن تأثير صدمة زواج تهاني كان عميقا للدرجة التي جعلته عاجزا عن تقبل أنه رفض منها ونالها غيره لم يترك لخواطره إرهاق عقله بالتفكير وانضم إليه في طاولته المنعزلة لينظر إليه بتدقيق وهو يتجرع ما في كأسه دفعة واحدة خاطبه مستفهما ليتأكد من ظنونه وهو يفرغ في كأسه القليل
شايفك لسه ما رجعتش لمودك الرايق من تاني
من طرف عينه تطلع مهاب إليه وتساءل في جمود
عاوزني أعمل إيه
أخبره بتريث وهو يتلقف بفمه بضعة حبات من المكسرات
ما أنا بصراحة مابقتش فاهمك ليه مكبر الموضوع للدرجادي!!
منحه مهاب نظرة طويلة من عينيه الحمراوين وكأن هناك أتون مشتعل فيهما ضغط عليه رفيقه بسؤاله المتعمد ليعزز من شعوره بالألم
إيه الخسارة صعبة عليك
ثم ضحك ساخرا منه ليضيف بعدها باستخفاف مغيظ
بكرة تتعود
لم يكن بمقدوره تحمل تلميحاته أو حتى التغاضي عن سخافة عباراته فهدر به في تشنج
قفل على السيرة دي!!
هز ممدوح كتفيه غير مبال بالغليل المتأجج بداخله وراح يغوص في المقعد باسترخاء واضح ثم رفع ذراعه للأعلى ليفرقع بإصبعيه لإحدى النادلات شبه المتعريات لتأتي إليه وتقوم بخدمته بطريقتها الاحترافية رفض مهاب المكوث معه انتفض الأول ناهضا ليقول بوجوم حانق
أنا قايم
أظهر رفيقه عدم اهتمامه بمغادرته ولوح له بيده هاتفا بصوت شبه مرتفع
ماتنساش تكريم بكرة
لم يرد عليه وانصرف بغضبه الذي يلهب صدره ليردد ممدوح من ورائه في همهمة خاڤتة وپشماتة بائنة للغاية
ياخي جرب كده مرة تكون مضايق وما تخدش اللي نفسك فيه!
جلست القرفصاء أمام طست الغسيل النحاسي تدعك بيديها بياضات الأرائك لتتأكد من تنظيفها جيدا قبل أن تلقي بها في الغلاية المجاورة لها لتضمن الحصول على نصاعة أكثر للون الأبيض أوشكت فردوس على الانتهاء من هذه المهمة الشاقة حينما سمعت صوت أمها يناديها من الخارج عاليا
شوفي مين على الباب!
حاضر يامه
هتفت بهذه الجملة وقد توقفت عما تفعل لتنهض من جلستها غير المريحة تأوهت في صوت خفيض واستقامت واقفة ثم جففت كفيها المبتلين بالماء والصابون في جانبي ثوبها المنزلي قبل أن تشد طرفه المثني للأسفل سارت بتعجل تجاه باب البيت فتحته وخرجت منها شهقة متوترة عندما أبصرت رجلا واقفا قبالته بزي الشرطة الرسمي في حركة لا إرادية منها لطمت على صدرها هاتفة
يا ساتر يا رب! خير يا شاويش
شملها فرد الشرطة بنظرته الفاحصة موجها سؤالا رسميا لها
ده بيت فردوس شحاته
دق قلبها بقوة وراح الخۏف يختلج أوصالها كغزو يجتاح ما يعترض طريقه بغتة بلعت ريقها وردت بوجه راحت الډماء تفر منه في الحال
أيوه دي أنا
فتح الدفتر الذي أتى به ودون بقلمه الحبر شيئا في أحد أوراقه ثم أمرها بلهجة جافة ولا تزال رسمية
اتفضلي استلمي الإعلان ده ووقعي هنا
نظرت إلى الورقة التي يبرزها أمام عينيها متسائلة بتحير قلق ودبيب قلبها آخذ في التصاعد
إعلان إيه
بنظرة
سريعة لفحوى مضمون الورقة أجابها ودون أدنى تعاطف معها
طلاق غيابي
تلقت كلماته الموجزة كالصاعقة على رأسها فاتسعت عيناها في محجريهما واستطال وجهها في صدمة متضاعفة لتلطم بعدئذ على خديها بقسۏة وهي تصرخ في قهر عظيم
يا نصيبتي!!!!
محاولة التغلب على ما يؤرق مضطجعك ليس بالأمر
الهين على الإطلاق فقد يجعل الحصول على قسط وافر من النوم أمرا مستبعدا ناهيك عن إرهاق العقل بالكثير والمزيد من الأفكار التحليلية المهلكة للأعصاب شعر مهاب بالصداع يفتك برأسه منذ لحظة استيقاظه قاومه قدر المستطاع لكنه تمكن منه فبحث عن دواء مسكن ليتمكن من التماسك طوال الساعة المتبقية من أول أيام ذلك المؤتمر الكئيب لكنه لم يجد لم ينكر أن سيلا من الذكريات المزعجة هاجمه وهو يستحضر كيف أمضى شبيه ذلك بصحبة تهاني متوقعا أنه يجرها إلى شباكه المحكمة لتعطيه نفحة من نعيمها الأنثوي واليوم تعمق بداخله ذاك الشعور المرفوض قطعيا بالهزيمة كاد يجن ويخرج عن طور الرزانة المعروف به في محفل الأطباء تماسك حتى الرمق الأخير وتلقى الجائزة التقديرية بملامح
متابعة القراءة